سوريا الجديدة- الأكثرية المنسية والعدالة الغائبة
المؤلف: رامي الخليفة العلي10.15.2025

بعد حقبة مديدة من الاستبداد والقهر، هوى نظام الأسد، لتنطوي بذلك صفحة من الظلم الذي لطالما خيم على حياة السوريين. بيد أن هذا السقوط لم يكن سوى فاتحة لجراح أعمق، لا تزال تنزف في صميم الأغلبية العربية السنية، التي دفعت أثمانًا باهظة لم تلقَ التقدير الكافي، ولا تزال تعاني من التهميش الذي يثير الاستياء والأسى. لقد جاءت تطمينات أحمد الشرع، ممثل السلطة الجديدة، موجهة إلى كافة الأطياف باستثناء هذه الأكثرية التي تحملت العبء الأكبر في مواجهة النظام الغاشم. فهلّا طمأن الأمهات المفجوعات والآباء المكلومين، وهلّا تجنبت السلطة الجديدة الوقوع في براثين أخطاء التهميش والإهمال غير المقصودة. لقد عقد الشرع لقاءات مع ممثلي الأقليات والطوائف المختلفة، وبذل جهودًا حثيثة لطمأنة المجتمع الدولي، لكنه لم يلتفت إلى تلك الأمهات الثكالى اللواتي فقدن فلذات أكبادهن في دهاليز التعذيب أو في ساحات النضال، ولم يجدن من يواسيهن ولو بكلمة عابرة. إن هذه الأكثرية التي عانت الويلات في المسالخ البشرية، وشُرّدت في مخيمات البؤس والشقاء، وقذفت بها الأقدار إلى أصقاع الأرض، هي ذاتها التي لم تجد أي اعتراف بمعاناتها وآلامها في سوريا الجديدة. ألم يكن من الأولى أن تحظى هذه الأكثرية التي تجرعت مرارة الظلم والقهر، بمزيد من الاهتمام والرعاية؟ ألم يكن من الواجب أن تتلقى ضمانات قاطعة بأن مآسي الماضي الأليم لن تتكرر؟ أين هي العدالة الانتقالية التي تُعد الركيزة الأساسية في بناء أي دولة عصرية بعد الثورة؟ إن هذا التجاهل الذي تبديه السلطة الجديدة تجاه الأكثرية يكشف عن أزمة حقيقية في فهم مفهوم العدالة. ندرك تمام الإدراك حجم التحديات والصعوبات التي تواجهها السلطة الجديدة، لكن هذا لا يمكن أن يكون مسوغًا لعدم اتخاذ الخطوات الأولى نحو تحقيق العدالة الانتقالية. لم نسمع عن تشكيل لجان تحقيق في المجازر المروعة، ولا عن محاكمات تعيد شيئًا من الكرامة لمن فقدوها في غياهب السجون. لم نشهد خطوات جادة نحو بناء ذاكرة جمعية تحفظ التضحيات الجسام التي قدمتها هذه الأكثرية. لقد كان من المحزن والمؤسف أن يتم إهمال رموز الثورة الأبطال، أمثال عبد الباسط الساروت وحمزة الخطيب وغيرهم، الذين يمثلون شجاعة السوريين وصمودهم الأسطوري، وكأن دماءهم الطاهرة كانت مجرد تفصيل ثانوي في معركة التحرر المجيدة. العدالة ليست ترفًا يمكن تأجيله إلى أجل غير مسمى، بل هي الأساس المتين الذي يقوم عليه الحكم الرشيد، وأي تجاهل لهذه الحقيقة الراسخة يهدد بتكرار فصول الظلم والقهر. لا يمكن لسوريا أن تتعافى وتستعيد عافيتها دون تحقيق العدالة الانتقالية التي تعيد الحقوق إلى أصحابها الشرعيين وترسخ أسس المصالحة الوطنية الشاملة. وإذا لم يتم اتخاذ هذه الخطوات الضرورية، فإن الكوابيس المرعبة التي ثار الشعب السوري ضدها ستعاود الظهور من جديد. لقد حان الوقت لكي تُمنح الأكثرية صوتًا مسموعًا ومكانة مرموقة في سوريا الجديدة. آن الأوان أن يُقال للمظلومين والمقهورين: لن يتكرر الظلم، ولن نسمح بأن تعود الظلمات لتخيم على هذه الأرض التي اكتوت بنيران الدمار والألم.
